انتشر في تويتر قبل أيّام تصميم نُسب زُورًا لملتقى الحشمة في مدينة حائل، أثار غضبًا واستياءً عارمًا تجاوز حدود المملكة، وأصبح الجميع يتحدّث كالمجانين عن سوء أساليب الوعظ الدّيني واحتقاره للمرأة وتسفيهها، ذلك أنّ التّصميم يصوّر امرأة ترتدي تنوّرة قصيرة وبلوزة عارية كلحمة معلّقة في واجهة جزّار، وقد كُتب عليه بالخطّ العريض: كاسيات عاريات !

سأكون صادقة، لم أهتمّ بأمر التّصميم ولم يزعجني أبدًا، ببساطة أدركت منذ البداية أنّ مصمّم الصّورة ذكيّ ومحترف بشكل لا ينسجم مع توقيعه أو حتّى مع أسلوبه الوعظيّ البسيط، ما أزعجني هو ردود الفعل الّتي هاجمت الملتقى بتخبّط دون أن تفكّر للحظة بأنّ الشّعار قد يكون ملفّق – وهو ما كان بالفعل – !

فيما بعد ظهر أحد الإخوة ووضّح بأنّ التّصميم يعود إلى منظّمة أجنبيّة شعارها: لا تتعامل مع المرأة كقطعة لحم، وما إن انتشرت تغريدته وانكشف السرّ حتّى هدأ الهاشتاق، لم يهاجم أحدٌ تلك المنظّمة الأجنبيّة، ولم يعتذر أحد إلى الّذين هاجمهم بأقذع الألفاظ دون وعي، انسحب النّاس بهدوء، وبدأت أتساءل: لماذا لا يثير شعارًا كهذا ردود فعل سلبيّة في الوسط الغربيّ مثلما يحدث عندنا ؟ ثمّ إنّ الشّعار هو الشّعار، والفكرة هي الفكرة، فلماذا تكون ردّة الفعل متشنّجة فقط لأنّ شخصًا من التيّار الإسلاميّ قد وضعه – على افتراض أنّه شخص منتمٍ لهذا التيّار فعلاً – !

أولاً / إنّنا مصابون حتّى عظامنا بعقدة الخواجة، الفكرة الغربيّة لا يمكن أن تكون خاطئة خصوصًا في ما يتعلّق بحقوق المرأة، لدينا تصوّر مسبق بأنّ المرأة في المجتمع الغربيّ تُحترم إلى الدّرجة الّتي يستحيل معها أن تُهان بتصويرها كقطعة لحم رخيصة، ممّا يدفع عقلنا الباطن إلى تقبّل التّصميم والنّظر إليه بإيجابيّة طالما أنّه من منظّمة غربيّة، هذا التصوّر مضحك جدًا، جولة واحدة في الإعلانات التلفزيونيّة أو المصوّرة يكشف لنا عن هوس الثقافة الغربيّة بجسد المرأة واستخدامه الاستهلاكيّ الّذي يتماشى مع هذه الثقافة المادّيّة التّعيسة .

المرأة في الثقافة الغربيّة الحداثيّة هي جسد، ولكنّه جسد جميل جدًا، ربّما أجمل من أيّ وقتٍ مضى في العصور البشريّة، هذا الجمال المادّي يُصوّر لنا وكأنّه ” احترام “، غير أنّ حقيقته ” استهلاك “، ومن الأمور الطّريفة الّتي صادفتها هو أنّ فتاة سعوديّة من الفيمينيست في تويتر قالت مرّة بأنّ الأديان الإبراهيميّة لا تحترم المرأة، ثمّ وضعت بعد فترة فيديو لملكات جمال أمريكا وهنّ يشتركن في أغنيّة واحدة يرتدين في بعض مقاطعها ” البكّيني ” وكتبت أعلى الرّابط : أدمنت هذه الأغنية، جمال على جمال !

سأعترف بأنّني سخرتُ من هذه الفتاة، ربّما وأشفقتُ عليها أيضًا، لأنّها تتخيّل بأنّ النساء الجميلات الضّاحكات مُكرّمات دائمًا، وبأنّ المرأة المحبوسة الذابلة هي المُهانة وحدها، أنا أجد بأنّ الثقافة الغربيّة تتفوّق في هذا الجانب نفعيًا لا أكثر، بما في النّفعيّة من إيجابيّات وسلبيّات، وليس لهذا الأمر علاقة بتكريم المرأة، لم يكن الاستغلال أو استلاب الرّوح لحساب التلذّذ بالجسد تكريمًا أبدًا .

ثانيًا / شعار المنظّمة الأجنبيّة وإن كان يصوّر المرأة كقطعة لحم، إلاّ أنّه يُوجّه نصيحته إلى الرّجل: لا تعامل المرأة كقطعة لحم ! حتّى ولو كانت ترتدي ملابسًا فاضحة فهي تظلّ إنسانة في نهاية الأمر، لذلك فقطعة اللحم موجودة في ذهنيّة الرّجل لا في جسد المرأة، وهذا التّفكير يقف في صفّ المرأة متعاطفًا لا في صفّ الرّجل، ممّا لا يثير حفيظة من يشاهده، على عكس استخدام نفس الصّورة بالطّريقة الّتي نُشرت في تويتر، فالحديث موجّه إلى المرأة وهذا كفيل باستفزاز المتلقّي / المتلقّيّة، وفي ظنّي أنّ طريقتي التّفكير – الغربيّة والوعظيّة – خاطئة .

المرأة الّتي ترتدي مثل هذا اللباس عليها ألاّ تنتظر من جميع الرّجال أن يكونوا ملائكة فيحفظوا أنظارهم وشهواتهم عنها، هذه مثاليّة حمقاء تتجاهل إنسانيّة الإنسان ولم تقدّم أيّ نفع للمجتمع الغربيّ، كما أنّ الوعظ الّذي يصوّر المرأة كقطعة لحم يجب سترها ويضع المسؤوليّة المطلقة على كاهلها، ويتجاهل توجيه نصيحة للرّجل وكأنّه حيوانٌ عاجزٌ أمامها، هذا الوعظ يتجاوز إنسانيّة الإنسان أيضًا ولم يقدّم أيّ نفع للمجتمع العربيّ !

ثالثًا / كنتُ أعتقد بأنّ مرحلة الحروب الطفوليّة بين التيّارات ستهدأ خلال فترة قصيرة من الزّمن، لكنّي أدرك الآن بأنّني كنتُ مخطئة، ما يحدث أمامي من هجوم واستعداء مستمرّ بين الطّرفين هو القرف بعينه يا سادة !

الّذي حاول الرّبط بين ملتقى نسائي للحشمة تقوم عليه فتيات رقيقات وبين ذلك الشّعار الهمجيّ يستخدم العقليّة ذاتها الّتي استخدمها الشابّ الّذي نشر صورة لجرسونة من غزّة وأشاع بأنّها فتاة سعوديّة تعمل في إحدى فنادق جدّة في محاولة لضرب ما يُعرف بالـ”تيّار الليبرالي”، هذه العقليّة الّتي تتربّص بمخالفها الدّوائر وتنتظر منه الأخطاء إلى درجة أن يتحوّل هذا الانتظار اللّحوح إلى خلق للخطأ !

إنّه وهم خلق عدوّ كان من المفترض أن يكون شريكًا في بناء المجتمع، ووهم البحث عن الانتصارات الحركيّة عليه، ما الّذي سأستفيد منه حين أوجّه طاقتي الإعلاميّة لضرب تيّار مخالف لي ؟ هل سيساعدني هذا على تعزيز أفكاري الدينيّة / الاجتماعيّة / الإنسانيّة ؟ لماذا أنظر إلى تشويه صورة المخالف لي كانتصار لذاتي ؟ ولماذا تُستخدم المرأة دائمًا ككرة بين أقدام الفريقين في هذه المباريّات ؟

أخيرًا، هذه محاولة متواضعة لقراءة حدث “تويتريّ” عابر، لكنّه يعكس الكثير عن إنسان مجتمعنا – أكثر حتّى ممّا كتبت -، الشّبكات الاجتماعيّة وفّرت لنا مرصدًا جيدًا لتأمّل ودراسة المجتمع، آمل أن تُستغلّ بشكلٍ يعود علينا جميعًا بالنّفع، لا أن نسقط في وحل النّزاعات داخلها ونحن لا نعي .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.