كثيرًا ما أتساءل وأنا أشاهد تعليقات بعض المثقفين الجدد السّاخرة من النّساء البسيطات في منتديات عالم حواء: الفطائر العجيبة الّتي يصنعنها لأزواجهنّ، الفُرُش المضيئة الّتي يزينّ بها أسرتهنّ، حياتهنّ المكرّسة من أجل بيوتهنّ، هل التقدميّة تعني أن نحوّل النّاس إلى مجموعة من الطوب المتشابه وفق معايير ثقافيّة تتّفق مع رغباتنا نحن فقط ؟ هل سيكون النّاس سعداء حين نطبّق عليهم مبادئ الحياة السّعيدة الخاصّة بنا ؟

هل يجب على جميع النّساء أن يعاملن أزواجهنّ معاملة الندّ بالندّ ؟ هل يجب عليهنّ جميعًا أن يتحوّلن إلى قارءات / مفكّرات / عاملات بدلاً من بقائهنّ في المنازل وانشغالهنّ بأزواجهنّ؟ هل المرأة الّتي تكرّس نفسها من أجل زوجها تعيسة دائمًا كما نتصوّر نحن؟

الحقيقة أنّنا ننادي كثيرًا بحرّية الرّأي، حرّية التّعبير، حرّية الفكر، في الوقت نفسه الّذي نحاول فيه قمع حرّية المعيشة ! حرّية أن يعيش الإنسان وفق رغباته، أن يتزوّج بالطّريقة الّتي يريدها سواء أكانت تقليديّة أم حديثة – لماذا يصرّ المثّقفون الجدد دائمًا على أنّ الطّريقة الوحيدة المناسبة للزواج هي التعارف المسبق في حين يصرّ الآباء على العكس؟ – ، حرّية أن تعمل المرأة أو أن تبقى في المنزل، حرّية أن تصنع فطائر على شكل سحالي، أو أن تحيك لعامٍ كامل سترة صوفيّة فاقعة لزوجها الّذي تحبّه، حرّية أن يحبّ الرّجل زوجته ويبقى عند قدميها رافضًا الخروج مع أصدقائه – الّذين سيصفونه بالخروف طبعًا -، حرّية أن تقود المرأة سيّارتها أو أن تركب مع سائق، حرّية أن يتزوّج الإنسان في عمر الـ١٥ أو في عمر الـ٤٠ .

جميع ما ذكرته يدخل في الحرّية الشّخصيّة الّتي لا تؤذي أحدًا، لماذا نعتقد بأنّ مفاهيمنا عن الحياة هي الأصلح لجميع النّاس فنحاول فرضها عليهم بالاستهزاء بمفاهيمهم تارةً وبالضّغط النّفسي عليهم تارة أخرى، في حين أنّنا إذا تعرّضنا لنفس الموقف نتباكى على الحرّيات في بلادنا ؟ هل نحن أنانيّون لهذه الدّرجة .

وقد يقول قائل بأنّ النّساء يمارسن في مثل هذه المنتديات نوعًا من النّصح المضرّ والخزعبلات الّتي تؤدّي إلى خلخلة في البيوت، إذا كنتَ تعتقد ذلك حقًا فلماذا لا تبادر أنت بنشر الوعي السّليم الّذي تعتقده؟ وإذا كان ردّك بأنّ هذا ليس من اختصاصك فكيف حكمت عليه أصلاً وأنت لا تفقه فيه؟

.

.

لا يجب علينا أن نفرض على النّاس رؤية معيّنة للحياة، ولكن أن نقدّم لهم الوعي الكافي ليشاهدوا مساحة الحرّية الكبيرة المتاحة لهم، على سبيل المثال المرأة الّتي اكتشفت بأنّ زوجها عقيم، يجب أن تعرف بأنّ من حقّها المطالبة بالانفصال عنه، ولكن يجب أن تعرف أيضًا بأنّ بقاءها معه إذا كانت تحبّه عائدٌ إليها وحدها وعلينا ألاّ نمارس أيّ نوع من الضّغط الاجتماعيّ عليها لتحييد رغبتها عن حقيقتها .

إنّ التنوّع أصلٌ في البشر، ولا أتحدّث عن التنوّع الثقافي بل عن تنوّع أهمّ وهو التنوّع المعيشيّ، فإذا لم يخرج الإنسان عن القانون فلماذا نحاسبه على اختياراته ونستهزئ به ونقرّعه بلغة فوقيّة مقزّزة، أمّ أنّ الحرّية عندنا حرّية بدائيّة تبدأ بحريّة الكلام وتنتهي عندها ؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.