كانت أمّي تقول دائمًا: ” إنّ أهمّ مشكلة قد يعاني منها أيّ إنسان هي أن تكون أفعاله مجموعة ردّات فعل “ .

ومذ يومها وأنا أراقب أفعالي جيدًا وأُسائلها: هل خلقتكِ لأنّني غاضبة وساخطة؟ في لحظة انفعال عابرة؟ ثمّ إنّي لا أزعم بأنّ الإجابة تكون دائمًا: لا، ولكنّي – على الأقلّ – أصبحتُ أكثر إدراكًا لنفسي ومحاولة لخلق أفعال حقيقيّة وتجاوز ردود الأفعال الانفعاليّة .

ومذ يومها وأنا أحمد الله لأنّ أمّي هي أمّي .

لقد تغيّرتُ كثيرًا، عندما كنتُ في الثامنة عشرة من عمري، كان الجميع يتوقّع أن أصبح داعيةً يومًا ما، لم يكن لديّ أيّ تصوّر أديولوجيّ عن الحياة، كنتُ متحمّسة فقط وأريد أن أكون فتاة صالحة، أمّا الآن فأنا لا أدري حقًا ما أنا، مجموعة أفكار متخبّطة بلا منهج محدّد، ولكن، رغم كلّ التقلّبات الّتي انتابتني إلاّ أنّني لم أشكّ ولا حتّى للحظة بوجود الله .

” لو لم يكن الله موجودًا فلا وجود للإنسان “، قد تبدو مقولة رومانسيّة في عصر لا يعترف إلاّ بالأدلّة العلميّة الصّارمة، لكنّي لا أستطيع التفكير بـ”الله” علميًا ! حتّى لو فعل المؤمنون ذلك لإثبات وجوده لغيرهم، لا أستطيع، ليس لأنّ العلم عاجزٌ عن ذلك، ولكن لأنّه حتّى العلم يتحوّل أمامي إلى صلاةٍ روحانيّة خالصة حين أقرنه بالله، إنّني أبكي أحيانًا حين أشاهد برنامجًا علميًا، وأبكي حين أشاهد النّاس يسعون إلى نقل علومهم إلى الآخرين، فبالنّسبة لي .. ما أراه معجزة، ثمّة محجوب عن العقل خلف كلّ عقل، وفكرة الله موجودة في كلّ معجزةٍ حُبست أسبابها عن هذا العقل .

لأنّ هناك ثمّة مجهول دائمًا فإنّ الله موجود، لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يفسّر علميًا كيف كتب بدر السيّاب قصائده مهما فتحت الجينات أبواب المعرفة أمامه، لأنّه لا أحد يستطيع تشريح رواية “نرسيس وغلدموند” إلى مادّة مُدركة، ولأنّ الحياة ستكون بلا معنى إذا استطعنا تفسير كلّ شيء علميًا .

إنّ توقي إلى الحياة، وجوعي للطبيعة، وتماهيّ مع الموسيقى، وتطلّعي إلى الغيب … تطلّعي إلى الله، هي أمور لا يمكن تفسيرها علميًا بالنّسبة لي حتّى لو حاول البيولوجيون عقلنتها بعصر أحماضي النووية، بل إنّني أعتبر هذه العقلنة احتقارًا وإهانة لإنسانيتي .. أنا الّتي تؤمن بأنّها ممتلئة حتّى عظامها بروح إله .

لا بأس أن يسخر منّي ملحدٌ لأنّ ما أقوله محض عاطفة، لقد تجاوزتُ احتقار العاطفة لصالح العقل منذ وقتٍ طويل، من الصّعب الغوص في أمرٍ كهذا، فهناك عقلٌ خلف كلّ تضخّم للعاطفة وهناك عاطفة خلف كلّ تضخّم للعقل، والخير بينهما أن تؤتَى الوعي والإدراك بما في نفسك، لا أن تتحوّل إلى مجرّد مكبّر لأصوات مبشّري العقل، وأنت منخدع بامتلاكه !

رأي واحد حول “إلى الله .. نازعةً ظلّي وعقلي ..

  1. “لا بأس أن يسخر منّي ملحدٌ لأنّ ما أقوله محض عاطفة”
    كُنت دائمًا أقول بأن لو أجمع الكل على عدم وجود الله لو اثبتوا أيَّ شيء، كنت سأضل أحب الله وأعبده حتى لو كنت الشخص الوحيد. ثقتي بوجود الله هي من ثقة حبي وطمأنينتي التي أشعر بها بعبادته ووجوده معي وحولي، إستجابته لندائي يارب، وقوته التي يهبني عندما لا أحد حولي ورحمته التي تنتشر داخلي في أحلك الأوقات
    حتى لو لم تكن معي أدلة غير هذا 😦

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.