لوقتٍ طويل كرهتُ القرود بكافّة فصائلها وكنتُ أمقتها وأتقزّز من رؤيتها بشدّة، كانت لديّ تلك الأفكار الخاطئة عن القرود والّتي أصبّ فيها كلّ ما قد أكرهه في الجنس البشريّ، جنسنا، نعم .. لقد كرهتُ القرود لأنّها تشبهنا ، إنّها تذكّرني بمن نكون، وكأنّها الجزء المتعرّي من الإنسانية في الغابة، عندما تكشف عن أسنانها ضاحكة يهيّء إليّ وكأنّها تسخر منّا: نحن انعكاسكم في مرايا الأدغال، الوجه الأكثر حقيقيّة لكم.
حتّى لو سقطت نظريّة التطوّر بكلّ تفسيراتها وفرضياتها، وحتّى لو انقلبت العلوم البيولوجية والأنثروبيولوجية رأسًا على عقب، سوف تظلّ هناك حقيقة لا يمكن إنكارها، وهو أنّ القرود باختلاف فصائلها تشبهنا بوقاحة، كنت أكتشف في داخلي كلّ هذه الأفكار حين قرّرتُ التوقّف عن كراهيتها، فليس الذّنب ذنبها إذا اهتزّ غروري البشري في حضرتها.
ومع ذلك فقد احتفظت بالأفكار الخاطئة في ذهني، لم تكن القرود لاأخلاقيّة في نظري وإنّما تعمل ضمن نظام مختلف عن نظامنا نحن البشر وبالتالي لا أستطيع محاكمتها باستخدام أدواتنا، كنت أظنّ مثلاً بأنّ جميع القردة الآباء لا يشاركون في رعاية الأطفال وهذا صحيح بالنّسبة لبعض أنواع القردة وخاطئ تماما بالنّسبة لأنواع آخرى، القردة المندرجة تحت تصنيف الـ new world monkeys على سبيل المثال .
وبالأمس شاهدتُ فيلمًا وثائقيًا شجّعني على تصحيح كثير من المعلومات المغلوطة حول القردة، وهو فيلم Monkey Kingdom من DisneyNature والّذي استغرق تصويره ٣ سنوات، تدور أحداث الفيلم حول قرود الماكاو في سيريلانكا وبالتحديد حول مايا وهي قردة من الطبقة الدنيا تكافح للصعود في السّلم الاجتماعيّ من أجل ابنها الوحيد، تقول جاين غودال وهي عالمة وباحثة في القرود العليا وناشطة في الحفاظ على البيئة شاركت في إعداد الفيلم بأنّ طاقم العمل عندما اختار مايا لبطولة الفيلم لم يكن يعرف بأنّها من الطّبقة الدّنيا، بل تمّ اختيارها لجمالها ولطافة تسريحة شعرها والبقع المميزة على وجهها.
يستعرض الفيلم الكثير من الجوانب الاجتماعيّة في حياة قردة الماكاو والّتي قد تعرفها أو تجهلها ولكنّك في الغالب ستستمع بمشاهدتها. ما الّذي نتوقّعه من ديزني؟ صُوّر الفيلم وأنتج بطريقة احترافيّة مذهلة وساحرة جدًا، لكنّ مشكلته الوحيدة بالنّسبة لي هي أنّ النصّ المختلق كان أكثر من اللازم، لا أتحدّث عن القصّة أو الحبكة مطلقًا، الكثير من النّاس لم يصدّق أحداث الفيلم لدرجة أنّه اتّهم ديزني بإعداد كلّ شيء، ولو افترضنا بأنّ ذلك صحيحًا فنحن نعيش في ثورة فنيّة بتحويل هذا العدد الهائل من القرود إلى ممثلين وممثّلات لكنّي أتحدّث عن أمر آخر.
فالنصّ كُتب تمامًا كقصّة خيالية من ديزني حيث يتركّز الاهتمام على البطل والبطلة بطريقة رومانسيّة متكلّفة لا تشكلّ جزءًا من الواقع بالضرورة، وحُوّل جميع من عداهم إلى شخصيّات ثانوية أو شخصيّات كومبارس، ربّما أضفى هذا بعدًا دراميًا مشوقًا للفيلم لكنّي وددتُ لو أنّه كان وثائقيًا بشكل أكثر تجريديّة.
يقول البعض أيضًا بأنّ ديزني اختلقت الكثير من المشاهد من بينها مشهد اقتحام القردة للمدينة لكنّي قرأت لبعض سكّان المنطقة شكاوي من قرود الماكاو الّذين يقتحمون ويسرقون كلّ ما يستطيعون الوصول إليه، إلى درجة أنّ أحدهم اشتكى بأنّ أحد القرود سرق آلة طبخ الأرز الخاصّة به، فلا تحتاج ديزني لهذا النّوع من الاختلاق.
على كلّ حال، سواء كانت القصّة حقيقيّة أو أنّ ديزني أقنعت القرود بطريقة أو بأخرى بالالتزام بنصّ مكتوب فهو فيلم يستحقّ المشاهدة أنصحكم به بشدّة، وهو مناسب للأطفال، شاهدته مع إخوتي الصغار وكانت تجربة ممتعة جدًا 🙂
حمستيني اشوف الفيلم 🙂
اتفرجيه مع جوانا وآوّاب .. لطيف 🙂