في عام ١٨٩٢، أي عندما كان في الخامس عشرة من عمره، اشترى الرّوائي الألمانيّ هيرمان هسه مسدسًا وحاول إطلاق النّار على نفسه بسبب مقته الشّديد للإكليركية الّتي أُرسل إليها تلميذًا في مدينة ستيتن في ألمانيا، لكنّه فشل في الانتحار وكتب حينها العديد من الرّسائل لوالديه نُشرت في كتاب Soul of The Age الّذي ضمّ معظم رسائل هسه منذ مراهقته وحتى موته، لستُ مترجمة جيّدة، لستُ مترجمة حتّى، ولكنّي بكيتُ كثيرًا حين قرأت بعض هذه الرّسائل، وأحببتُ أن أنقل في مدوّنتي واحدة منها، كما فهمتها.
ثيو* وكارل زاراني اليوم، قال ثيو بأنّكما أصبتما بالاكتئاب بسببي، لا يوجد هناك سبب للاعتقاد بأنّني كائن مبهج بشكل خاصّ، فلا يوجد شيء كنت سأدّخره مقابل الموت، مقابل النسيان الأبديّ**.
قال أيضًا بأنّ عليّ التضرّع لغفرانكما، لكنّني لن أفعل ذلك تحت الظّروف الحاليّة، وبشكل دقيق بينما لا أزال هنا في مدينة ستيتن. إنّ وضعي مأساوي، المستقبل موحش، الماضي موحش، والحاضر شيطانيّ! أوه، فقط لو أنّ تلك الرّصاصة المشؤومة عبرت رأسي المعذّب.
عام مقدّر بالمرض هو عام ١٨٩٢، لقد بدأ على نحو كئيب في الاكليريكية أُتبع بأسابيع هانئة في مدينة بول، خذلان في الحبّ، ثمّ النّتيجة المفاجأة! لقد خسرت كلّ شيء: المنزل، الأبوين، الحبّ، الإيمان، الأمل، وحتّى نفسي. بصراحة شديدة، أستطيع أن أرى وأُعجب بتضحياتكما، لكنّ حبًا حقيقيًا؟ لا – بالنّسبة لي مدينة ستيتن مثل الجحيم، إن كانت الحياة تستحقّ أن تُهدر، إن لم تكن الحياة وهمًا وضلالاً، مبهجة أحيانًا، نكدةٌ أحيانًا – وددتُ لو سحقت جمجمتي على هذه الحيطان الّتي تفصلني عن نفسي.
ثمّ جاء خريف موحش وشتاءٌ أسود. نعم، نعم، الخريف هنا هو خريف في الطبيعة وخريف في القلب: الأزهار تسقط أرضًا، والجمال يتلاشى تاركًا فقط قشعريرة باردة. هناك المئات من المعتوهين منتزعَي الإنسانيّة هنا، لكنّني الوحيد الّذي يحمل هذه العاطفة. تمنّيتُ تقريبًا لو أنّني كنتُ مجنونًا، كم سيكون ذلك جميلاً، نسيان ناعس لكلّ شيء دون استثناء، كلّ اللذائذ والأشجان، الحياة والألم، الحبّ والكراهيّة!
على كلّ حال، لقد كنتُ أثرثر لوقت طويل. بائس؟ لا، بارد هو ما أريد أن أكون عليه، بارد برود الثّلج تجاه كلّ أحد، كلّ أحد قطعيًا. لكنّكما سجّانيّ، لذلك لا أستطيع توجيه هذه الشكوى لكما، الوداع .. الوداع .. أودّ لو أكون وحيدًا، أنا فزع من هؤلاء الأشخاص، لا تخبروا أحدًا كم أنّني متعب حدّ الموت هنا، كم أنّني تعس! إمّا أن تتركوني وشأني أنهار هنا مثل كلب مسعور، أو أن تتصرّفا كوالدين! لا يمكنني أن أكون ابنًا في الوقت الحاليّ، إنّ عليّ أن أقاتل وأتحدّى سوء حظّي، مرّة أخرى، تصرّفا كوالدين لكن – لما لا تقتلاني بشكل أسرع عوضًا عن ذلك؟
لا أستطيع الكتابة أكثر من ذلك. سوف يتعيّن عليّ أن أبكي، وأشدّ ما أرغب به هو أن أكون ميّتًا وباردًا.
………….
* ثيو هو أخ الروائي غير الشقيق.
** استخدم المترجم من الألمانية إلى الإنجليزية هنا مصطلح Lethe وهو اسم نهر أسطوري من شرب منه نسي كل شيء ويراد به النسيان الأبدي.
اذا كانت هذه أول ترجمة فأنا أشجعك على المزيد من الترجمات. لم أشعر بتفكك المعاني او الحاجة الى الرجوع الى النص الاصلي.. وهذا انجاز للمترجم ؛).
سعيدة بالتدوينة الجديدة جدا
I’m speechless .. thank you so much :”(
مرحبا
لقد قرأتُ معظم ما تمّ نشره هنا وكان بديع للغاية، وأنتم لستم بحاجة إلى ثنائي عليه لأنكم أنتم تعلمون أنه كذلك، أود أن أعرف إن كان لديكم حساب في ” تويتر ” أو ” إنستقرام ” حتى يسهل الوصول إليكم (:
أشكرك شكرًا جزيلاً، هذا هو حسابي على تويتر e7san، وإن كنت لا أكتب إلاّ نادرا.