مدخل :
بشكل غير مخطّط له طلب منّي الأخ مشاري الإبراهيم رأيي في روايته الأولى “أربعة عقود من اليأس”، كتبتُ له رسالة تلخّص رأيي في ما قرأته وأظنّ بأنّ هذه الرّسالة تستحقّ النّشر في المدوّنة.
أقدّر لمشاري كثيرًا أنّه استقبل رأيي كأحسن ما يكون الاستقبال، وقد شكرني على “لطفي” وهذا شيء لم أتوقّعه أبدًا 😁، فلستُ لطيفة حين يتعلّق الأمر بكتابة آرائي، أو ربّما لأقولها بشكل أدقّ : لستُ باللطافة الّتي أكون عليها عادة.
السّلام عليكم
مرحبًا مشاري
أشعر أحيانًا بأنّه لا فائدة من النّقد، إنّنا لن نغيّر ما كتبناه أو صنعناه أو رسمناه بشغف وحبّ لمجرّد أنّ شخصًا غريبًا أخبرنا بأنّنا لم نفعل شيئًا ما بشكل جيّد بما فيه الكفاية.
ليست لي تجارب في تأليف الكتب، إنّني أكتب نصوصًا ومقالات، وقد قلتُ منذ وقتٍ غير بعيد: ” أحمل امتنانًا عميقًا لقرّائي يشبه الامتنان الّذي تحمله الأمّهات تجاه من يقدّر أطفالهنّ أو حتّى من يمنحهم بعض الحلوى، أليست كلماتنا أطفالنا على أيّة حال؟ “، وأنا أعرف جيدًا وأعي الشّعور الّذي تحمله تجاه كتابك، هذا الشّعور الّذي حملك على نشر نسخة الكترونية منه بهذه الطريقة “المجازفة”، لذلك أيًّا كان الرّأي الّذي سأبديه لك فهو لا يعني التّقليل من شأنه، كما أنّي لستُ ناقدة على كلّ حال أنا مجرّد قارئة ترغب في إبداء رأيها بصراحة في ما كتبته.
في الحقيقة أثار كتابك اهتمامي بطريقة ما، ربّما لأنّ “أشعار” قامت بنشر اقتباس لك؟ وأشعار صديقة تعني لي الكثير، أو ربّما لأنّ لغة وموضع الكتاب مختلفة عن المواضيع المطروحة في الكتب المنشورة مؤخرًا؟، أو ربّما أنّ الأمر حدث هكذا فقط، أثار الكتاب اهتمامي.
موضوع الكتاب ولغته تعتبر جيّدة خصوصًا وأنّها أوّل محاولة لك، لكن دعني بكلّ صدق ووضوح أعرض عليك مقاطع الضعف الّتي وجدتها في روايتك، أتمنّى أن تتقبّلها بصدر رحب:
١. هناك فرق كبير بين كتابة الروايات وكتابة الخواطر، وكتابك – حتّى صفحة ١٠٠ تقريبًا – أقرب للخواطر منه إلى الرّواية.
٢. لا أستطيع أن أصف لك مدى إنزعاجي من لغة الشكوى الّتي تغرق فيها الرّواية، التعبير الإنشائيّ المفرط عن الحزن، كنت أتمنّى بحق أن يتجاوز الكتاب استهلاك الحزن والشكوى بهذه الطريقة، نعم أعرف بأنّك أردت أن يفهم القارئ مدى الضياع الّذي شعر اللقيط به، لكن كان يمكنك استخدام أسلوب روائيّ آخر لهذا، بشكل عام كما كتبت في النّقطة الأولى، الرواية يجب أن تعتمد على الأحداث وبناء الشخصيات والحوارات القصيرة لا الخواطر المسهبة.
٣. أعتب عليك بشدّة نسخ بعض المقاطع الحواريّة بين (ملحد / مؤمن) ووضعها في الكتاب مثل:
– قل لي ماذا سيكون شعورك لو اكتشفت بأنّ الآخرة وهم.
– ليس أسوأ من شعورك حين تكتشف بأنّها حقيقة.
وبعض الأمثلة الّتي سردتها في روايتك لم تكن من بنات أفكارك، هذا من أكثر الأمور الّتي أزعجتني.
٤. لا أستطيع أن أملي عليك القضايا الّتي تتحدّث عنها في روايتك، ولكنّي سأقول رأيي كقارئة، كان تركيز الرواية حول العلاقة بين البطل والنّساء محبطًا ومملاً، في رأيي أنّ مشاكل اللقيط الوجودية أعمق بكثير من مشكلة الزواج والحبّ هذا أولاً، ليس استهانة بهذه المشكلة لكنّي أقول أنّها ليست المشكلة الوحيدة وليست الأكثر أهميّة وليست أيضًا مشكلة يتفرّد بها اللقطاء، لو استعرضت عبر الأحداث أكثر من مشكلة يمرّ بها اللقيط لكان أفضل بكثير، بكلّ صراحة الكتاب بالنّسبة لي هو كتاب رومانسيّ أكثر من كونه أيّ شيء آخر، لكثرة الإسراف في الحديث عن علاقة النساء بالبطل.
ليس هذا فحسب، فحتّى شخصيّات الرّجال في الرواية – أصدقاء مشعل – لم يكن لهم حضور حقيقيّ بكل كانوا مجرّد أدوات استخدمتها لتمرير جدليّة الإلحاد والإيمان.
قارن بين الوصف الدقيق لجسد ماريا وحضورها وبين الوصف المستعجل الّذي حضي به هؤلاء الرّجال، سأقولها لك بصدق، بدا الأمر لي كخيال مراهق مبتعث يحلم بلقاء فتاة أوروبية جميلة، ذكيّة وكما كتبت في روايتك “مثقفة”.
قرأتُ حتّى صفحة ١٤٠، لم أحبّ الرواية منذ اللحظة الّتي ابتدأتها بـ ” نظرتُ إلى عينيها بعمق شديد، شيء ما قد تغيّر “، إذا أردتُ قراءة رواية رومانسيّة فسأتّجه لرفّ الروايات الرومنسية، ولكنّي استمرّيت في إعطاءها الفرصة تلوى الأخرى حتّى شعرتُ في النهاية بأنّه ليس كتابًا سأحبّ أن أقرأه بسبب الإسراف في التركيز على الجانب العاطفي من البطل.
بالنّسبة لي كانت أجزاء الرواية عبارة عن:
١. خواطر البطل وما تحمله من شكوى وحزن.
٢. حوارات طويلة قرأتُ كثيرًا من محتواها وأفكارها في مصادر مختلفة من قبل.
٣. الحبّ والنّساء.
٤. القليل جدًا من الأحداث.
أقترح عليك في روايتك القادمة أن تقرأ حول تقنيات الرواية بشكل أكبر أو أن تأخذ course في الكتابة الروائيّة، أن تكثر القراءة في روايات “الضياع الديني”، ولو استطعت كذلك أن تلتقي بـ”سعود السنعوسي” صاحب “ساق البامبو” فأشجّعك كثيرًا على أخذ بعض الخبرة منه، فساق البامبو شبيهة في بعض جوانبها بقصّة بطلك.
أعتذر إن كان أسلوبي مؤذيًا أو جارحًا أو محبطًا، لقد ترددت كثيرًا في إرسال هذه الرسالة، أتمنّى أن لا تنزعج منّي، أتطلّع لعمل أفضل السنة القادمة.
إحسان
ناقدة جميلة يا إحسان 💜
ربي يخليك .. أحاول يعني 😁