أحبّ مقطوعة Nightingale لياني كثيرًا، أحبّ أداءها تحديدًا في حفلة Tribute الأسطورية عام ١٩٩٧، وأظنّ بأنّ بعض أصدقائي يقرأ الآن عنوان هذه التدوّينة وهو يقول : ما زلتِ عالقة هنا يا إحسان؟ ألم تغيّرك كلّ الموسيقى الّتي استمعتِ إليها؟ نعم، ما زلتُ عالقة هنا منذ ١٠ سنوات، ما زال الأثر الّتي تحدثه بي هذه المقطوعة كما هو لم يتغيّر وكأنّي أسمعها للمرّة الأولى .

استلهم ياني هذه المقطوعة من صوت طائر كان يغنّي أمام نافذته عند كلّ شروق للشمس، كان للطائر كما يعبّر ياني مفرداته وألحانه وإيقاعاته، فكّر ياني وقتها بأنّه من المثير للشفقة بأنّنا لا نفهم لغات بعضنا البعض، وبعد عدّة سنوات لمّا استمع ياني لصوت الناي الصّيني اكتشف بأنّ هنالك سمات شخصيّة مشتركة بينه وبين ذلك الطّائر، فقرّر كتابة مقطوعة للنّاي الصّيني باسمه: العندليب.

يتميّز النّاي وآلات النّفخ عمومًا بأنّ الإنسان ينفخ فيها من روحه، وفي هذه المقطوعة يضع العازف الفنزوليّ العبقريّ Pedro Eustache من روحه الكثير، ففي بداية المقطوعة يبدو صوته وكأنّه يحكي تاريخه للآخرين برباط جأش، ثمّ لمّا يبدأ بالبكاء يعزّيه البيانو متبوعًا ببقيّة الآلات لتتحوّل المقطوعة إلى حوار شجيّ بين النّاي وبين الجوقة الموسيقيّة، فهي تشاركه الشجن تارةً، وتتلطّف معه تارة، وتخبره بأن يتوقّف عن المبالغة تارة أخرى.

وعند الدقيقة الخامسة تتفرّد عازفة الكمان كارين بريغز بحوار خاصّ مع عازف التشيلّو أليكسندر زيروف، وأنتَ لا تسمع فقط تفاصيل الحوار وتحسّ به في روحك ولكنّك تراه رؤيا العين أيضًا في تعابير وجهيهما، ومن خلال هذا الحوار يبدأ توحّد أخّاذ ومدهش وساحر بين جميع الآلات بما فيها النّاي، هذا التوحّد المرتفع الإيقاع يبعث القشعريرة وتجربةً شعوريةً لا تُوصف وكأنّ هذه الآلات اتفقت في مشاعرها وآلامها وأفراحها وشجونها ووجودها.

تنتهي المعزوفة كما بدأت بعزف منفرد للنّاي الصّيني، ولكنّك هذه المرّة تحسّ بالعندليب وقد انتهى من أغانيه وقرّر الرّحيل والطّيران.

.

.

لم يستمرّ ياني بالاعتماد على صوت النّاي الصّيني في نسخ أخرى لمقطوعته، بل استبدله بصوت المغنية الأمريكية Lauren Jelencovich المتخصصة في غناء الـ soprano وهو لون غنائيّ يعتمد على الوصول إلى أعلى طبقات صوت المرأة – بحكم أنّ باستطاعة النّساء الوصول إلى درجات مرتفعة من الصّوت أكثر من الرّجال بسبب رقّة أوتارهنّ الصّوتيّة -.

بدأت لاورين بمرافقة ياني في جولاته منذ عام ٢٠١٠ وأذكر جيدًا أنّني لمّا استمعتُ إلى المقطوعة حينها في التّسجيل أعلاه شعرتُ بخيبة أمل شديدة وحزن عميق وكأنّني فقدتُ إلى الأبد إحدى أحبّ الظواهر الكونيّة لي : عزف Pedro Eustache للناي الصّيني في مقطوعة العندليب .

لستُ وحدي من يستشعر عظمة أداء بيدرو، يُقال بأنّ ياني لم يستبدل النّاي الصّيني بصوت بشري إلاّ لأنّ بيدرو توقّف عن الذهاب معه في جولاته بسبب حفلاته وأنشطته الخاصّة، ولمّا لم يجد ياني بديلاً حقيقيًا له استبدله بصوت لاورين، وسواء أكان هذا صحيحًا أم لا فإنّ حضور الفكرة وحدها يدلّ على فرادة بيدرو وعبقريته.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.