كنتُ قد قرّرتُ يوم الجمعة الماضي بأن أقضي الليلة في المنزل متنزّهة بين الكتب المؤجّلة، المشاريع المؤجّلة، والدّروس المؤجّلة، لكنّ إحدى صديقاتي أخبرتني بأنّ قناة سين تقيم مسرحيّة كوميديّة في النّادي الأدبيّ في الدّمام فقرّرتُ الذّهاب لحضورها، لا حبًّا في المسرحيات الكوميدية، ولكن لعدم توفّر فرصة أخرى لمشاهدة مسرحيّة دراميّة أو موسيقيّة مثلاً.

قمتُ بحجز التّذكرة عن طريق واتس آب، وهذا غريب جدًا بالنّسبة لي، تتوفّر تطبيقات ومواقع كثيرة تقدّم خدمة حجز التذاكر للأحداث والفعاليات فلماذا يستخدم الشّباب هذه الطّريقة غير الاحترافية للحجز؟ ثمّ أنّهم أخبروني – وبطريقة كوميديّة – بأن أحضر قبل موعد المسرحية بساعة كاملة وإلاّ فإنّ التذكرة قد تذهب لغيري، لماذا تكلّفوا عناء حجز التذاكر إذا كانت قد تُلغى دون علم الحاضرين؟ هل وفّروا تذاكر للحجز أكثر من عدد الكراسي المتاحة وضمنوا بهذه الطريقة أن يخلوا مسؤوليتهم في حال حضر عدد أكبر من الحضور؟ أعرف بأنّ عددًا كبيرًا من النّاس قد يٌلغي حضوره دون إخطار للجهة المسؤولة وهذه مشكلة، لكنّ الحلّ ليس في استخدام طرق غير احترافية للحجز، بل بالبحث عن الحلول الّتي أوجدها أو اخترعها من مرّوا في نفس المشكلة من قبل، مشكلة تنظيم الفعاليات.

عندما وصلتُ المكان شككتُ في البداية بأنّه هو جهتي المقصودة، المدخل ضيّق ومزدحم والمبنى محزن، عندما دخلتُ قلتُ لنفسي بأنّ هذا البناء الصغير أضيق من أحلام الشّباب وطموحاتهم وإمكانيّاتهم، أضيق من الحاضرين العطاشى للفعاليات الفنّية، أضيق منّي أنا وأضيق من كلّ المعلّقة صورهم على الجدران، ثمّ استطرت: ولكنّه موجود على الأقل، وهذا يكفي الآن.

وصلتُ مبكرًا بالطبع، وكنتُ أفكّر : كيف سأقضي وقتي قبل بدء المسرحية؟ لم يكن لديّ ما يكفي للتفكير بالإجابة فقذ صعد على مسرح خارجيّ صغير أحد الشّباب وقدّم لنا شابّين استعراضيين، يقدّم أحدهما ألعاب الخفّة والخديعة ويتقن الآخر فنّ Ventriloquism أو التحدّث من البطن، وعلى الرّغم من أنّني شاهدتُ عروضًا مشابهة جدًا لكلا العرضين إلاّ أنّني أحببتُ احترافية الشّابّين وأحببتُ حضورهما وأحببتُ البهجة الّتي عمّت الجمهور.

المسرحية :

قبل بدء المسرحية بدقائق كنتُ أشعر بالإحباط فالفتيات حولي يتحدّثن بصوت عال، بدأت المسرحية بعزف موسيقيّ أذهلني، كنتُ مأخوذة بالنّاي وبالقيتار، ومع ذلك استفزّتني جدًا الجوّالات المرفوعة أمامي والأصوات العالية، ليست لديّ أدنى مشكلة في توثيق اللحظات الحلوة، لكنّ رفع الأجهزة إلى الأعلى يعيق البقيّة عن الرّؤية والاستمتاع وهذا مزعج جدًا.

لم أكن ملمّة بفكرة المسرحية، أخبرتني صديقاتي بأنّها مسرحية ارتجالية يؤثّر فيها الجمهور على مسار القصّة، لكنّني لم أفهمها بشكل واضح إلاّ حين بدأت.

مسرحية “حبل غسيل” تنتمي لنوع من الفنّ الارتجالي improvisational theatre حيث الممثّلين والموسيقيين يصعدون على المسرح دون تخطيط مسبق لما سيقدّمونه، وهو فنّ قديم جدًا تمّ استحداثه، ففي الماضي كانت الفنون بسيطة وشعبية ومرتجلة غير خاضعة لسطوة  المدارس الفنّية وللكاتب والمخرج والسيناريست، وفي بداية القرن العشرين راجت المسرحيات المرتجلة كأسلوب تدريبيّ للأطفال على الدراما والتعبير والتمثيل.

يميّز المسرح الارتجاليّ الحديث بأنّه تفاعلي مع الجمهور، فهو من يقدّم الفكرة إمّا عبر كتابتها في صندوق اقتراع قبل بدء المسرحية، أو عبر رمي الكلمات العشوائيّة أثناءها أو – كما في مسرحية حبل غسيل – عبر سماع الأفكار مباشرة من الجمهور ومن ثمّ تنفيذها بأسلوب كوميديّ خاصّ بالممثلين فكرة فكرة.

تفاجأتُ جدًا جدًا من مستوى الممثلين الاحترافي، فأثناء جلوسهم على الكراسي قبل بدء المسرحية يظهرون وكأنّهم قد بنوا جدارًا بينك وبينهم، لم أتمكّن من عبور ذلك الجدار إلى مخيّلتهم أو مشاعرهم أو أفكارهم، لكنّهم ما إن ينهضوا من مكانهم متّجهين إلى حبل الغسيل حيث يختارون ملابس الشّخصية حتّى يتغيّرون تمامًا، يبدون لك وكأنّهم نزعوا جلودهم الجادّة واستبدلوها بجلود تنشر فقاعات من الضّحك، لقد ضحكتُ كثيرًا حتّى سقطتُ من الكرسي ولم أكن أتوقع هذا أبدًا أبدًا، حيث من النّادر أن تضحكني مثلاً كوميديا اليوتيوب السعودي.

بالإضافة إلى الممثلين، برع العازف ماجد السّيهاتي في ارتجال موسيقاه بشكل أخّاذ وفاتن، ما يفتنني حقًا هو براعة هؤلاء الشّباب رغم عدم توفّر معاهد أو منشآت داعمة ممّا يعني – ربّما – أنّهم بذلوا جهدًا مضاعفًا لإتقان حرفتهم.

لكنّ مهارة خلق النّص لا تعادل مهارة التمثيل لديهم فهم أضعف في خلق الكلمات، لا أقول بأنّ مستواهم سيّء ولكنّ مستواهم في التمثيل أعلى من مستواهم اللغوي، ولهذا إن كانت لديّ نصيحة لهم فهي: اقرؤوا واسمعوا وتلقّوا الكثير من المصادر النّصية كي تُثروا لغتكم ويصبح لديكم مخزون هائل تستطيعون الاستفادة منه في عروضكم المقبلة.

من جديد أحببت المسرحية كثيرًا وأنوي إن شاء الله حضورها يوم الخميس القادم وأتمنّى أن تدهشني بشكل أكبر ممّا فعلت أوّل مرة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.