“لم أكن أريد إلاّ العيش وفق الدّوافع الّتي تنبع من نفسي الحقيقيّة، فلمَ كان الأمر بهذه الصّعوبة؟”
– هيرمان هيسه
- منذ قرأتُ رواية دميان والّتي استفتحها هيسه بالعبارة أعلاه حتّى دخلت حياتي منعطفًا أصبح الخروج منه أمرًا عسيرًا لم أقدر عليه حتّى الآن، أريد العيش وفق الدّوافع الّتي تنبع من نفسي الحقيقيّة، أريد أن أكون حقيقيّة وحرّة، حتّى لو حملني هذا على خسارة معتقدات سابقة، حتّى لو جعلني هذا غريبة بين النّاس، حتّى لو أدّى بي هذا إلى ارتكاب الأخطاء والحماقات والسخافات، سألمّ نفسي في كلّ مرة أتعثّر أو أتبعثر فيها وأكرّر محاولاتي في أن أكون الشّخص الحقيقيّ، أو ربّما – كما فهمت مؤخّرًا – في أن أكون أفضل وأصدق نسخة منّي.
- قضيتُ وقتًا طويلاً من حياتي في محاولة التحوّل من ردّة فعل إلى فعل محايد، أحاول أنّ أغضّ بصري عن تاريخيّ الشخصيّ حين أبدي رأيي بفكرة أو حدث أو مشكلة، لكنّ تاريخي يبرز أمامي في كلّ مرّة أغمض فيها عينيّ، مختلطًا بعروق البؤبؤين، لا أستطيع التخلّص منه، ثمّ فهمتُ بأنّني أستطيع فعل ما هو أفضل من التخلّص، أستطيع تعريف تاريخي الخاصّ وتأطيره:
- أنا أنصحك بهذا رغم أنّني مررت بتجربة مختلفة حدث لي فيها كذا.
- لا أدعّي بأنّه الرّأي الصّائب، لكنّني أميل إليه لأنّ حياتي انقلبت رأسًا على عقب حين قمتُ بفعل كذا.
- تضرّرت شخصيًا من فعل كذا لكنّني ما زلتُ مصرّة على أنّه الفعل الصّحيح.
- أتذكّر نفسي قبل سنوات عدّة، أجلس على الفريزر الكبير في المطبخ وأقول لأمّي بتذمّر: أنا متناقضة، لا أريد أن أكون متناقضة، أنا مثل علم سباق الرالي، مربّعات بيضاء ومربّعات سوداء، لا أريد ذلك. كنتُ حينها في المتوسّطة، لا أتذكّر بالضبّط كيف أجابتني أمّي، ربّما قالت لي: أين ترين تناقضك؟ وربّما قالت لي: كلّ النّاس يشعرون بهذا ويمرّون به، ولكنّي أتذكّر الغضب الشّديد الّذي كان يتملّكني، هذا الغضب المبكّر يوحي لي بمدى أصالة رغبتي الشديدة في فهم نفسي، خلال السّنوات الّتي تلت ذلك التساؤل، كنتُ مهووسة بالتناقض، لا أريد أن أكون متناقضة وأكره المجتمع لأنّه متناقض، إذا آمنت بالشيء فعليك فعله، إذا أخبرت النّاس بأنّ س هو الصّواب فعليك الالتزام به، لماذا ترتدين الحجاب وتظهرين جزءًا من شعرك؟ لماذا تأمرنا بالأخلاق وأنت تستخدم ألفاظًا سافلة؟، استغرقتُ وقتًا طويلاً قبل التّصالح مع تناقضي الخاصّ ومن ثمّ تناقض الآخرين، ساعدني أصدقائي على ذلك، أتذكّر بيان عندما قالت لنا بشكل عابر: نعم أنا متناقضة وهذا جزء من بشريتي، بالتدريج أدركت بأنّنا جميعًا لا نستطيع الالتزام بالصّواب طيلة الوقت، نحن نخطئ أحيانًا ونكره أنفسنا لذلك، ونحن أحيانًا لا نرى التناقض الّذي يراه الآخرون، أنا مثلاً أجد أنّه من المدهش أن تضع فتاة صورة خليعة في الشّبكات الاجتماعية بينما تنصح الآخريات بالحجاب، لكنّها على الأرجح ترى الأمر بشكل مختلف، بشكل أكثر انفصالاً ممّا أراه أنا.
- يسوؤني جدًا أن أشعر بالحزن أو الضّيق دون أن أعرف السّبب، هناك مجموعة من الأسئلة الّتي أطرحها على نفسي حين تملؤني المشاعر السلبيّة: هل أكلتِ اليوم؟ هل أكلتِ أكثر من اللازم؟ هل الغرفة الّتي تجلسين فيها نظيفة ومرتّبة كفاية؟ هل اتّفقت مع أحد ما على إجراء مكالمة أو لقاء ولكنّك لا تشعرين بالرّغبة بمقابلته؟ هل تشعرين بآلام في الظّهر/الرّقبة؟ ما هو اليوم من الشّهر؟ هل أنتِ غير راضية عن أدائك في العمل اليوم؟ هل أغضبتِ أحدًا ما؟ هل ترغبين بشرب القهوة؟ الشوكلاته الساخنة؟
- كلّما كبرت كلّما زهدتُ في محاولة إقناع النّاس بأفكاري، ليس لأنّني فقط أزداد زهدًا بأهميّة أفكاري ذاتها، ولكنّني أتخيّل الأفكار مثل أرقام على ساعة دائرية، تتغيّر أحيانًا لكنّها تعود لنفس النّقطة دائمًا. صادفتُ بالأمس فتاة مقتنعة بأنّ النّساء لا يصلحن للزواج قبل عمر الـ ٢٣، وتقترح بأن نمنع الزواج قانونيًا لمن هم دون هذا العمر حتّى لو كان هذا اختيارهم، أردتُ أن أخبرها بأنّ البشر يكافحون منذ وقت طويل من أجل الحصول على حريّات بسيطة مثل حرية الزواج وقت ما نشاء وبمن نشاء، لكن ما الفائدة المرجوّة من كلامي؟ تنفيس عن أفكاري لا أكثر، ولماذا أزعج من لا أعرفه بهذا التّنفيس؟
- لماذا كتبتُ كلّ هذا؟ تنفيس عن أفكاري لا أكثر، ولماذا أزعج من لا أعرفه بهذا التّنفيس؟
زوجي ما يسميه تناقض، يسميه نفسية 😝
وعلى قولة بيان هذا جزء من بشريتنا … بس مين بيان؟ 🤔
قمصان إسقاط الولاية متوفرة على موقع
halfpearl دوت كوم
نرجو من جميع الفتيات الدعم