” As it is from stories that we learn about the reality of women’s lives, about the suffering, the failure, the struggle to nurture well.”
إذا كتبت في محرّك البحث كلمة feminists فسوف تخرج إليك عشرات الصّور لنساء شابّات يرتدين ملابس يغلب عليها اللون الورديّ، يملأهنّ الغضب ويرفعن شعارات المساواة والحرّية والثّورة، ولربّما تكون هذه الصّورة هي أوّل ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين عند سماعهم لكلمة “نسويّة”.
أمّا أنا فإنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهني هي صورة جدّتي ..
لم تكن جدّتي بالطبع تعرّف نفسها كنسوّية، وفي الغالب هي لم تعرف بأنّ هناك حراك تنظيمي – أديولوجيّ أحيانًا – يستهدف تغيير وضع النّساء حول العالم، إذا سألتَها عن حرّية المرأة في ارتداء ما تشاء فلربّما مالت برأسها قليلاً إلى الأمام وأجابت: لكنّ على النّساء أن يرتدين الحجاب، وإذا أخبرتَها عن المساواة بين الرجال والنّساء فلربّما رأت فيه موضوعًا جانبيًا لا يستحق الاهتمام، ولكنّ جدّتي رغم ذلك .. هي أوّل النّسويات في حياتي، ومنها تعلّمت كيف أصبح المرأة المستقلّة الّتي أنا عليها الآن.
حكايات النّساء لم تكن تنقطع عن منزل جدّتي رحمها الله، كان من الطبيعي أن نستيقظ من النّوم لنجد امرأة تشتكي لجدّتي تعنيف زوجها أو تعرّضها لظلم القرابة أو فقرها الشديد، ولم أعرف مستمعًا صبورًا مثلها، فسواء طُرق بابها في منتصف الليل أو في بداية الصباح، كانت جدّتي هناك دائمًا، تستمع إلى النّساء، وعندما كبرت قليلاً، أدركتُ بأنّ العيش برفقتها هو أمر صعب، لقد كنّا نتعرّض يوميًا لعشرات القصص البائسة، وكان هذا يؤثّر علينا دون وعي منّا، امتلأتُ منذ عمر مبكّر بالشعور بالذنب والرفاهية والقسوة على النّفس، فمن بين كلّ هؤلاء النسوة أنا وحدي من أنام قريرة العين بسلام، أنا وحدي من لا أتعرّض للضرب أو الاعتداء أو التجويع، ماذا فعلتُ لأستحقّ هذا؟ لكنّني لم أشعر ابدًا بالحنق تجاه جدّتي، بل كنتُ ولا أزال في غاية الامتنان أنّي نشأتُ في بيئة شاهدتُ فيها بأمّ عينيّ كيف لامرأة لا سلطة لها ولا مركز اجتماعيّ ولا مال قادرة على تغيير حياة الآخرين.
تتضمّن أوّل ذكريات طفولتي صورة مهاجرة غير شرعية مع حفيدتها، تدخلان منزل جدتي دون طرق أو استئذان فتقدّم لهما جدّتي الطعام، وقد نجحت في إلحاق الحفيدة بمدرسة نظاميّة، لا زلتُ أشمّ رائحة المهاجرة في أنفي، وأتذكّر إحساسي الطفولي بالخوف من اقتحامها منزلنا كل مرة دون أن تنبّهها جدّتي أبدًا بضرورة الاستئذان.
وفي أحد الأيّام، طرقت منزل جدّتي امرأة جبلية تسأل أن تعطيها جدتي بقايا الخبز، وقد كان شائع في صنعاء أن تبحث الراعيات عن بقايا الخبز لإطعام الماشية، فتحت جدتي لها الباب فلم تشاهد أيّ أغنام، وبالسؤال فهمت بأنّ المرأة تطلب بقايا الخبز من أجل بناتها الخمسة لأنّها تستحي أن تطلب طعامًا نظيفًا، ومنذ تلك اللحظة حتّى توفيت جدتي رحمها الله، كانت تقوم بشؤون هذه المرأة وشؤون بناتها، ألحقتهن بالمدارس، تدبّرت ملابسهنّ في الأعياد، وقد كانت أحيانًا تقاسي صعود الجبل للاطمئنان عليهنّ.
وبالحديث عن الأعياد، آخر عيد قضيته بصحبة جدّتي رحمها الله كان قبل ٩ سنوات، كنت مشغولة ليلتها بمشاهدة مسلسل ياباني – رغم كلّ مسؤوليات جدّتي إلاّ أنّها لم تضغط على يومًا لمساعدتها -، وعندما خرجتُ خارج قوقعتي وجدتُ الصالة وقد امتلأت بفساتين وردية وصفراء منفوشة للأطفال، كانت جدّتي قد جهزتها للبنات الفقيرات، كنتُ أقف مدهوشة في المنتصف وأنا أسمعها تعطي تعليماتها المستعجلة لابنة خالتي قبل أن تخرج لقضاء حوائج نساء أخريات.
لم تكن رحمها الله ثريّة أبدًا، بل كانت تستيقظ في الصباح الباكر، تطبخ الطعام وتصنع البخور وتخيط الملابس، ولم يكن بمقدورها توفير كل هذه المبالغ بالطبع بل كانت تستعين بالمتبرّعين أيضًا، لقد أنقذ سعيها وصبرها وعملها الجادّ عشرات النّساء، وعندما توفّيت، هيّء إليّ بأنّني أسمع نحيب كلّ اللواتي اتكّئن عليها، يحملن نعشها إلى الجنّة.
رغم أنّني أتّفق مع النّسوية التقاطعيّة بيل هوكس حين تقول: “يبدو أنّ النّسوية حاليًا مصطلح ليس له معنى محدّد، فقد أدّى منهج قبول أيّ شيء المستخدم لتعريف هذه الكلمة إلى تفريغها من المعنى تمامًا “، إلاّ أنّني أرفض التعامل مع الأشخاص بذات الكيفيّة الّتي أتعامل من خلالها مع الأفكار، أستطيع القول أنّ جدّتي رحمها الله لم تكن نسويّة نظريًا، لكنّها مثالي المفضّل للشخصيّة النّسوية لأنّها ببساطة: تستمع إلى النّساء وتدعمهنّ دون محاكمات أو شروط.
لقد آمنتُ بنفسي لأنّني كنتُ جزءًا من حياة جدّتي، وعندما يظهر الآخرين استخفافًا بقدرات النّساء أو ينكرن تاريخهنّ، يتملّكني غضبٌ شديد لأنّهم بهذا ينكرن تاريخ جدّتي، أوّل النّسويات اللّواتي عرفتهنّ في حياتي وأعظمهنّ.
نحن بحاجة ملحة لتكملة هذه التدوينة يا إحسان! بحاجة للسماع عن جدتك، كما كانت تستمع لكل هؤلاء وأكثر.
تمنيت لو كانت التدوينة أطول، بحكايات وتفاصيل وذكريات أكثر.. رحمها الله
توقفت عن قرأت هذه التدوينية بالأمس لحجم المشاعر التي نمت بقلبي حينها .. وعدت في هذه الليلة لأكمل ما بدأت من قصة هذه المرأة الصادقة في رسالتها وفي حبها واهتمامها ..
ممتنة لأنك شاركتنا بعضًا من حكاياها في هذه التدوينة ..
وأحب أن أقرأ حكايا هذه المرأة العظيمة مرة أخرى ♥️..
ملهمة جدا، قرأتها قبل يومين ومازلت أفكر فيها للآن.
في ظل مسمى النسوية هذا ، نحتاج لأمثلة صحيحة وواقعية من واقعنا عن المعنى العميق للنسوية ، قوة المرأة ليست نفسها قوة الرجل وإلا تحولت لرجل!!
حسنا ، بصدق هذه الكلمة تجعلني أتوه، لكن هذا مثال مثالي في رأي.. لانها كانت السيدة القائمة بنفسها وبالاخرين بدون ان تتتحول أو تتبدل او تتغير..
ثم وأخيرا، قبل فترة اتذكر اختي قالت لي النساء الصنعانيات مثقفات، اعتقد انها لفتت نظري الحقيقي لهؤلاء السيدات الفاضلات، وبديت من بعدها أشوف أمثلة كثيرة.
Shop and ship from your favorite USA brands in low shipping costs with Global Shopaholics. You can get free US address that you can use to get your parcels delivered at our warehouse to save tax money. This shop n ship US address is located in a tax-free zone and your total shipping costs are reduced so.
https://globalshopaholics.com/blogs
فخورة بك وفيك إحسان! فخورة بجدتك أيضًا! فخورة بك وبكل النساء، فخورة فيك وجدًا.. كأني أعرفك مُنذ زمن❤️!
هذه التدوينة إحدى التدوينات التي تُقرأ في كل مرة بذات الدهشة وأعتقد أكثر في كل مرّة أيضًا!