” أنتَ لستَ جيدًا بما فيه الكفاية، أنتَ لستَ جيدًا حتّى، الآخرون يعرفون ذلك أيضًا، يهزّون رؤوسهم لك ثمّ يضحكون في الغرف الخلفيّة، إنّهم قادرين على رؤية خداعك المستمرّ لهم، هل تعتقد بأنّهم حمقى؟ يبقونك فقط في الجوار لأنّهم لا يمتلكون خيارًا آخرًا، أو ربّما لأنّك لطيف وهم يحبّون معاشرة اللطفاء، أو ربّما لأنّك أقلّ السيئين سوءًا ”

 

Photo by Camila Quintero Franco on Unsplash
Photo by Camila Quintero Franco on Unsplash

 

لا أعرف إن كانت هذه الكلمات مألوفة بالنّسبة لك، أمّا بالنّسبة لي، فهي الصّوت الداخلي الّذي أسمعه باستمرار، مثل عصفور يعشعش في الجانب الخلفيّ من رأسي، قد يُقال بأنّ هذا نوع من القلق، أو الـ impastor syndrome الّتي تصيب الكثيرين غيري ممّن يطلّع باستمرار على مصادر المعلومات والمعارف والمهارات المختلفة ثمّ هو يعجز عن امتصاصها كلّها، لكنّي حتى هذه اللحظة لا أرغب بوضع تعريف أو وسم واحد لهذا الصّوت، إنّه موجود دائمًا وبشكل مزعج، أنجح أحيانًا في إبقائه في الخلفية وإهماله مثل حنفيّة معطّلة فشل أصحابها في إصلاحها، أتشبّت بإيمان زوجي بي، بكلمات أمّي الفخورة، بالثقة الّتي يمنحني إيّاها زملائي في العمل، ثمّ يحدث شيء تافه جدًا فأنتكس من جديد ويعود الصوت ليزداد حدّة.

هذه محاولة بسيطة للاستشفاء عن طريق الكتابة، أتمنّى أن تساعدني كلماتي، أتمنّى أن تساعد غيري ممّن يمرّ بما أمرّ به، إنّني هنا لا أكتب عن تجربة ناجحة أو فاشلة، بل أمرّ بالتجربة عن طريق الكلمات، أكتب لأنّني لا أستطيع احتضان نفسي، لا أستطيع إقناعها بأنّ الأمور ستكون بخير وبأنّها تمضي في الطريق الصحيح، ثمّ أنا لا أستطيع قول كلمة واحدة لها دون أن أنفجر بالبكاء.

لن أكون جيدةً بما فيه الكفاية .. أبدًا

إذا كانت الكفاية تعني إصلاح كلّ مشكلة في محيطي، أو إصلاح جزء كبير منها خلال فترة قصيرة، إذا كانت الكفاية تعني أن أكون مجموع كلّ الّذين أعرفهم، أن أتقن كلّ ما يتقنونه، أن يكون لديّ حلّ مباشر لمشاكلهم وإجابات سريعة عن أسئلتهم، كلّها، هذا لن يحدث أبدًا، إنّني لا أقارن نفسي بواحد منفرد، بل بمجموع الأفراد، ولا أختار أيّ أحد للمقارنة بل أتعمّد إيلام نفسي باختيار أفضل من أعرف، أجمعهم في صورة المرأة الخارقة ثمّ أتأسّف أنّي لن أكون هذه المرأة مطلقًا!

ولكنّي جيّدة على الأقلّ

إنّني أبذل جهدي، قد تكون هناك أسباب متعدّدة ومختلفة لتأخّري، لكنّ التقصير والإهمال ليس أحدها، ربّما أنّني أعمل بطريقة خاطئة، أو أنّ هذه هي حدودي البشرية وطاقتي، أو أنّني لا أنام كفايتي، لكنّني أعمل بجد، إذا لم يكن ما أفعله كفاية بالنسبة لي، إذا كنت أشعر بأنّي قادرة على إعطاء المزيد، فيجب أن أتذكّر على الأقل بأنّني أقضي معظم يومي في العمل على تطوير نفسي، إذا لم يكن هذا بكثير فهو ليس أقلّ ممّا هو مطلوب.

الدعايات المسمومة

منذ صغري، فشلت الدعايات في جذبي نحو التعلّق المادّي بالأشياء، لا أتذكّر بأنّي رغبتِ حدّ العطش بنوع من المجوهرات أو الحقائب أو الملابس، لكنّ نوعًا آخر من الدعاية نجح في استدراجي إلى فخّه، الإنسان السوبّر، دائمًا كان لديْ هذا العطش المحموم لأن أصبح الآن أفضل ممّا كنت عليه قبل دقيقة، لطالما اعتقدتُ بأنّ هذا محمود وصحّي، لكنّي الآن واعية، وأدرك بأنّ هذا العطش لا يختلف كثيرًا عن اشتهاء المادّة الثمينة والمناصب والتزكيات، إنّه إدمان مختلف نوعيًا فقط، تعلّق مرضيّ آخر، لا يدرك معظم النّاس خطورته بل وقد يمتدحون المصابين به.

هذا التعلّق العاطفي والنّفسي هو بالضبط علّة طموحنا، لو أنّني أتعامل مع هذا الأمر مثلما أتعامل مع الأحذية الرياضية، أحبّها وأسعى للحصول على أكثرها جودة وأهوى القراءة حولها، لكنّني لم أخسر نفسي حين قضيتُ وقتًا لا بأس به بدون حذاء رياضيّ جيّد،سيكون من السخيف بالنسبة لي أن أحشر هوّيتي وتقييمي لذاتي بحذاء رياضيّ، فكيف أفعل ذلك مع طموح عمليّ ومعرفيّ؟

بين الثقة والمبادرة

قبل أسبوع بالضبط، قابلتُ فتاة لطيفة قالت لي بأنّها مترددة في اتخاذ الخطوة التالية في مسيرتها العملية لأنّها ليست واثقة من نفسها، فأخبرتُها بأنّ عليها الفصل بين ثقتها الداخلية وبين ما يجب عليها فعله، وبأنّها لن تكتسب هذه الثقة ولن تنمّيها إلاّ باقتحام المناطق الّتي لا تتصوّر اقتحامها، منذ مدّة وأنا أحدّث نفسي بهذا، في كلّ مرّة أخاف فيها من أداء مهمّة ما، أقول لنفسي بأنّ عليّ المحاولة قدر استطاعتي، دون إهمال أو عجلة أو تقصير، لو كنتُ جاهلة فسوف أتعلّم وأقرأ، ولو أخطأتُ فسوف أصحّح خطئي.

تغيّرتُ بسبب هذه الدفعة الكبيرة الّتي أعطيها نفسي، واكتشفتُ بأنّ الخوف من الفشل مثل معظم مخاوفنا، بعبع من قماش لا قوّة له، واكتشفتُ أيضًا بأنّ التراجع أمامه أكثر خطورة من مواجهته، حيث أنّ هذا التراجع يفوّت علينا الكثير من الخبرات والتجارب، لا يعني هذا بأنّني هزمتُ الصوت الداخلي المؤذي، ولكنّني على الأقل أجعله أقل أهمية في كلّ مرّة أتجاهله فيها وأختار تصديق زوجي وأمّي وأصدقائي، وأختار المواجهة.

رأي واحد حول “أنتَ لست جيدًا بما فيه الكفاية

  1. أفهم هذا الشعور جيدًا. أفضل خطوة كانت في تصالحي معه والتخفيف من حدته هي لما تعرفت عليه علميًا وقرأت تجارب الآخرين. لذلك ممتنة جدًا لكتابتك تجربتك.
    لم أعرف أنك تملكين مدونة إلا من هذه التدوينة ولولا ضيق الوقت لأنهيت قراءة المقالات كلها، سعيدة جدًا باكتشافي مدونتك. أتمنى لك كل القوة والرضا والخير والفتوح إحسان ♥️

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.