
كنت أقرأ مقالاً من المفترض أنّه نسويّ حول المرأة العربية، وعند منتصفه قلتُ لنفسي: لكنّ هذا لا يشبهني، لا أجد شيئًا منّي في هذا المقال، لا أستطيع الربط بيني وبينه، رغم أنّه يتناول النّساء ورغم أنّني عربيّة، ثمّ تداركت: متى كانت آخر مرّة قرأتُ فيها مقالاً عن المرأة أو المرأة العربيّة ووجدتُ نفسي فيه؟
مرّت بخاطري أطياف من المواد الإعلاميّة الّتي من المفترض أنّها أعطت صوتًا أو تمثيلاً للمرأة، منذ عرفتني لم أجد نفسي في أيّ منها، لا صوتي لا أفكاري لا ملامح وجهي لا تجعيدات شعري ولا هيئة جسمي، لا شيء .. ولا أدري لماذا تذكّرتُ نسخ مجلّة زهرة الخليج وسيّدتي المتناثرة على طاولات الانتظار في المرافق النسائية، كلّما نظرتُ لـ”فتيات الغلاف” شعرتُ بانفصال عميق عنهنّ، لم أرغب مطلقًا بهذا الجمال، فهمتُ منذ عمر مبكّر بأنّه استثمار مجهد قد يعطّلني عن بقية جوانب حياتي قبل حتى أن أفهم محررات الصور والكاميرات الاحترافية، لكنّني تمنّيتُ لو أنّ هنالك نساء يشبهنني على الغلاف، أو يشبهن أمّي وخالاتي.
ربّما يكون مسلسل Orange is the new black هو العمل الوحيد الّذي استطعت فيه رؤية نفسي والنّساء اللواتي أعرفهن، كان من المذهل أن أشاهد نساءًا يعكسن الواقع على شاشة نتفلكس، في الموسم الأخير أتذكّر رؤية طابور من الفتيات – طوابير الفتيات لا تنتهي في OITNB – وكان شعر إحداهنّ معالجًا كيميائًا في أطرافه بينما تظهر طبيعته الحقيقية عند الجذور ومقدمة الشعر، أوقفت الحلقة لثواني وتجمّدت، لم أصدّق نفسي، كان ذلك المنظر المنفّر والمزعج هو أكثر مشهد تلفازي رأيتُ فيه شيئًا منّي طيلة عمري الـ٣١، وتساءلت: كم مرّة تمر الفتيات حول العالم بهذا الموقف السخيف؟ شعر مجعّد في المقدمة ومنسدل في الأطراف؟ لماذا تكون هذه هي المرّة الأولى على الإطلاق الّتي أشاهد فيها امرأة بهذا الشكل في الشاشة؟
لو أنّنا نرى هذه المرأة باستمرار، كم من الممكن أن يوفّر ذلك علينا نفسيًا؟ بسبب تغييب واقعنا، نشعر بالغربة والغرابة والشذوذ عن الأخريات، على الأخص النساء مثلي اللواتي لا يتواجدن في مجتمعات نسائية عائلية، لو كنتُ أقلّ وعيًا لأوهمت نفسي بأنّي مختلفة “أنا لستُ مثل بقيّة النّساء”، لكنّني أعرف بأنّ ملايين النّساء يشبهنني، غير أنّنا لسنا مادّة مناسبة للإعلام أو حتى لأغلفة الأدوية في الصيدليات.
ورغم ذلك، أستطيع القول بأنّني أتفّهم هذا الغياب في المواد المرئية، تاريخيًا كان على السينما والتلفاز أن يقدّمان موادًا مسلّية وممتعة بصريًا وشكّلت المرأة جزءًا محوريًا من هذه المتعة، لكن ماذا عن المحتوى المقروء؟ بالنّسبة للروايات، وللأسف الروايات العربيّة على وجه الخصوص أشعر بنفور قوي من صورة المرأة فيها، على المرأة في الروايات أن تكون كلّ شيء إلاّ أن تكون مخلوقًا عاديًا، أفكّر الآن تحديدًا برواية عربية أتحفّظ عن ذكر اسمها، حيث البطل فيها شخصًا عاديًا جدًا لكنّ كلّ النساء اللواتي يمرّ بهن غير عاديات، هل هذه هي أحلام الرجال المتأخرة؟
في السنوات الأخيرة، نُشرت العديد من المقالات والمنشورات النسوية العربية، هذا جيّد، مع ذلك ما زلتُ عاجزة عن رؤية نفسي فيها، لا أعني بأنّ هذه المقالات ليست جيدة أو مفيدة أو حتى رائعة أحيانًا، كلّ ما في الأمر بأنّها لا تشبهني، أحيانًا تتناول قضايا غريبة عنّي، وفي كثير من الأحيان تقع في تنميط محبط للمرأة، لن يكون هذا الأمر مزعجًا لولا أنّني أعرف بأن همومي وقضاياي ليست نادرة أو غريبة أو سخيفة، على العكس تمامًا، كثيرًا ما سخرتُ مع نساء من مختلف الشرائح حول تشابه الأزمات الّتي مررنا بها، ومع ذلك لا أحد منّا لديه الشجاعة الكافية للكتابة عنها ولربّما تكن هذه سمة أخرى نشترك فيها.

كلّ هؤلاء النّسوة في التلفاز، على شاشات السينما، في المجلاّت، على منشورات أبواب السوبرماركت، في البرامج الحوارية، على أغلفة كريمات القدمين، في موقع unsplash للصور – والّتي اجتهدتُ كثيرًا كي أجد فيه ما هو مناسب لهذا المقال -، في موقع pinterest، في مدرجات عروض الأزياء، وأخيرًا في مقالات رصيف٢٢، كلّ هؤلاء النسوة .. لا يشبهنني.
أجد النّسوة اللاواتي يشبهنني في المقاهي، نتبادل النظرات ونبتسم بعمق لأنّنا نعرف ماذا يعنيه التواجد في المقهى بحرّية لكلّ واحدة منّا، أجدهنّ في اللقاءات العابرة نتحدّث وكأنّنا نعرف بعضنا منذ سنوات عن أزماتنا الوجودية والمادية ونهتف فجأة: “أيووووا هذا الي دايمًا أقوله”، أجدهنّ صدفة برفقة صديقة أخرى، نتحدّث عن ما نتجاوزه يوميًا ونتفق بشكل هزلي على البدء بـ therapy group لمن يشترك معنا ذات الهم، أجدهنّ مرّة كل عام في معرض الكتاب حيث تسللن بطريقة أو بأخرى لحضوره، أجدهنّ في بيئات العمل حيث ندعم بعضنا في أمور قلّ أن يفهمها الرّجال، أجدهنّ شجاعات على يوتيوب يظهرن بمظهر فوضوي ويتشاركن معنا طرقًا بسيطة للتجميل.
نحن البسيطات اللواتي نتشابه، همومنا أصغر من أن تكون قضايا رأي عام وأكبر من أن تُهمّش، أجسادنا أثقل من أن تمشي على الـ runway وأخف من أن نشارك في عروض الـ body positivity، نحن هنا، نجد ونمثّل وندعم بعضنا البعض، مهما كان غيابنا الإعلاميّ قويًا.
فعلا معك حق مايشبهونا .. لكن الحمدلله اللحين صار عندنا الوعي لهالشيء بسبب ثقافتنا وعرفنا اسرارهم واللي بعضهم اكشفوها لنا لان كثير كانو غير راضين عن نفسهم بسبب الصوره اللي تبين المشاهير كاملين 😊في عندهم عيوب مثل ماعندنا لكن اكيد فيه فريق كامل مخصص لاخفاء عيوبهم 👌🏼تدوينه جميله شكرررا
أنا أتابع المسلسلات السورية منذ زمن وأجد في قصصها ليس فقط نسوة تشبهني بالشكل والروح بل حتى في روتين الحياة ومصاعبها والعائلات والمنازل أشياء أعرفها وتشبهني جدا